إن رحلة عبر الأراضي المغربية تبلغنا إلى ديار الكبار المغربية الذين يضيئون المشرق بعلمهم ومعرفتهم بمسيرة الأودية الجبلية التي تراكبت بالأعشاب الخضراء المستنبطة التي تصعب شعرنا في وصفها.
إن ترنيح ريح صبا شجرة اليتون الوافرة على الطريق في كل ميسرة يبلغنا إلى مئات السنين السابقة عندما يخضع الإسبان مدينة العرايش وهي ميناء التجارية التي هي الطريقة الرئيسية لسفن الشحن والتجارة.
وموقعها الاستراتيجي المستقبل بالبحر الأطلسي البسيط يكفي أن تعزز شهوة الإسبانية لقبض عرائش لتوسيع نفوذها الاقتصادي، وبعد إخضاعها الإسبانية هاجر القوم الأشراف الأدارسة منهم بني يملة بن مشيش إلى الأمكنة الداخلية.
وأن هذه الهجرة في الحقيقة تحمل معها كثيرة من الأمل لاستمرار أسلم الحياة وأسعد العيش في هذه الدنيا، ثم وقفت خطوتهم وانتهت في المنطقة التي تقع على نحو 49 كيلومترا من ساحل العرائش، وذلك المنطقة تسمى بمزورة التي تكون غريبة على شفاء الناس منذ القدم بعد مرور الزمان ولو لم تكن زائلة من خريطة العالم الدنيا، وفي هذه المنطقة كانوا قد يجنبون أنفسهم عن عمجية الإسبانية، واستقروا ثم أولدوا ذريات كريمة مباركة، ومنهم الإمام قطب النفيس سيد أحمد بن إدريس الذي ولد في 1163هـ مقارنة 1760 م.
وقد أجريت القراءات والدراسات لتحقيق الموقع الصحيح لهذا المولد العظيم، ومنذ فترة طويلة في كتب التاريخ كتب أن أحمد بن إدريس ولد في ميسور المغرب، وقد نقل واشتهر ذلك الرأي بدون دراسة متعمقة علىه.
وكذلك لم تعمل جولة في الزمان الماضي لتعريف صحة ما كتبوا، فتمر مئات السنين والناس جميعا اعتمدوا أن الإمام أحمد بن إدريس ولد في ميسور (ميسور) وهي منطقة بعيدة منعزلة تقع على نحو 468 كيلومترا من ساحل العرائش بعدا.
لكن الناس منذ خلق كان يسير على تقدير وإرادة الخالق، وإنه مثل الأوراق التي تقع على الأرض، لم يسقط أحد منها إلا أن تقديره مكتوب في أزلي، ومثله الرطوبة الأول لم يسقط من السماء ولم يلق على العشب الأول في الأرض إلا بإذنه وإرادته.
وهكذا عندما جاء ربيع الأول عام 1439هـ تلقينا بمزورة بواسطة العلمآء الثلاثة الذين اعتنوا في بحث وتكشيف مكان ولادة الإمام أحمد بن إدريس، وهم شيخ عموم الطريقة الأحمدية الإدريسية البروفسور الدكتور عبد الوهاب التازي الحسن الإدريسي ونائبه الدكتور محمد المجددي الحسن الإدريسي وداتوء الحاج محمد فؤاد بن كمال الدين خليفته لجنوب شرق آسيا.
وهذه الرحلة تبلغنا لأول مرة بمنطقة مزورة التي هي أصح المكان لوصف مولد الإمام أحمد بن إدريس، وهذا الاكتشاف الأول استرد سجل التاريخ في فكرتنا التي نصت على أن الإمام أحمد بن إدريس ولد في ميسور وهي منطقة تقع في جنوب المغرب.
ثم وصلنا إلى مزورة عندما ظل اليوم ظلالة، والرياح الباردة التي ترنح الأشجار والمروج الخضراء تجلب عقولنا إلى العالم البعيد، ونخيل كيف يعمر القوم الأشراف الأدارسة الذين هم جد للأمام أحمد بن إدريس هذا الوادي.
وقبل غروب الشمس يمشي البروفسور التازي وحده وكأنه يريد أن يطلق شوقه في قلبه لقرية جده، ويمكننا أن نشعر ما يختلط في قلبه من الهبة والشوق والفرح والسعادة مما توضح على وجهه وحركاته، وابتسامه مرئي بدون الانقطاع كأنه يوصف الكفاية الصعبة عن البيان.
وخطواته المتمهلة المرتبة واحدة بعد واحدة قد أدت إلى لقاء أحد قروي، ونرى من بعد أنها يتعارفون ويتكالمون بسرور ولكن ننظرهما منه حينئذ بلا اهتمام، وربما لأننا نظن أن معاملتهما ليست بمهمة و لا تعطينا المعنى لهذه الرحلة.
ولكن لا يعلم أحد أن الله يريد أن يجعل هذه الرحلة أشد فرحا وسرورا عندما يلقأ البروفسور التازي ذلك الرجل قد أدى إلى الإكتشاف الآخر الذي يشدد الرأي ليكون مقبولا كالأمر الواقع بأن مولده رضي الله عنه في هذه الوادي المبارك.
وأدانا ذلك الرجل في مشية الرياح الباردة لشفق مزورة مجاوزين بالطريق الصخري الذي ليس عاليا ودنيا، ثم نوصل إلى الجبل الصغير المغطى بالعشب الأخضر مثل هجرة كبيرة، وهناك نجد الصخور ذات البياض النقية المرسومة كأنها علامة لمقبرة أشراف الأدارسة ذريات مولاي إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر.
وهذا الاكتشاف يقوم ويدعم الرأي بأن هجرة الأشراف من كبار الأمام أحمد بن إدريس إلى تلك المنطقة كالمذكور، قبل وعادت المسألة تدخل إلى فكرتنا وهل ذلك القبر قبر يدفن فيه جسد أبي الإمام أحمد بن إدريس في الحقيقة أم لا؟ والله أعلم .
ويرجو البروفسور التازي الدعاء والرحمة لصاحب القبر مع غاية الأمل أن هذا القبر قبر جده في الحقيقة، ثم نسمع أذان المغرب ونقيم صلاة الجماعة قريبا من ذلك القبر.
وبعد حلول الظلام، ننصرف من مزورة الجميلة السكينة ونعزم ونعتقد لتحقيق خطاب ما حدثه البروفسور التازي لبناء المؤسسات الإسلامية أو المساجد في مزورة لتنشيط ذكريات الإمام أحمد بن إدريس في بلدة مولده.
الروحية لهذه الزيارة والرحلة تصعب علينا تبيينها بالكلام أو الشعر الجميلة، لأنها دخلت في القلب وتأثرت في أنفسنا تأثيرة عميقة، منها أننا قد نجحنا في كشف الجمود وما استخفى منها في تحديد مكان الميلاد للإمام أحمد بن إدريس، إما ميسور أو مزورة الذان كلاهما تقعان في ولاية المغرب وفصلتا بمسافة نحو مئات الكيلو مترا.
وبعد القعود في مقعدنا ونشعر بدفء في السيارة لا نزال عن الدعاء لعودة إلى مزورة في الأيام المستقبلة مع البروفسور التازي وشقيقه الدكتور المجددي وخليفة الطريقة الأحمدية الإدريسية بجنوب شرق آسيا داتوء الحاج محمد فؤاد بن كمال الدين لشهود إقامة مسجد الإمام أحمد بن إدريس هنا علما لفخر الإسلام والطريقة الأحمدية الإدريسية في المغرب.
إن هذا الزيارة زيارة مباركة، ولعل الله يقبلها بودنا وبمحبتنا الأبدية للإمام أحمد بن إدريس
لا إله إلا الله محمد رسول الله في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله